Telegram Group & Telegram Channel
الأهازيج والأمثال الزراعية في اليمن

كيف تحشد رعودُ نيسان الزُّرّاعَ وتدفعهم إلى الحقول

علي الضبيبي

   الثوْر، بالنسبة للفلاح اليمني، هو "الأب"، كما هي البقرة " أُم". وفي عموم أرياف اليمن، يخاطب المزارعون الثور هكذا: "أَباه"، كما ينادى أيضاً على "البقرة" بلطف شديد: "أُمّاه".

   وفي مثل هذا الموسم من كل عام، يتأهّب الريفُ اليمني ويحتشد بكل ما لديه من قوةٍ وسرعةٍ، منتظرين إشارة البدء للانطلاق نحو الأرض، يذرؤونها بفرحٍ ونشاطٍ وهم يرتلون هذه الأمثال الزراعية العظيمة كتهاليل:

 يا ثور يا ابيض يا جليل الساعد

 مُد القدم واسمع حنين الراعد

   وكان أربابُ الأرض، في اليمن السعيد، قد جهزوا تربة الحقول القاسية وهيؤوها لهذه اللحظة بالحرث، قبل مجيء المطر بأسابيع، طوال شهر مارس/آذار، وهم ينشدون:

حرثت مالي يابسٍ في يابس

 وقطرة الله ما عليها حابس

   ثم ينهمر المطرُ عليهم كضيفٍ عزيزٍ في موعده المحدد: 14 أبريل/نيسان، كما عوّدَهم، وهو أول أيام السنة الزراعية المعتمدة لدى اليمنيين منذ آلاف السنين. وفي هذا اليوم، يفرح الفلاح بمطر الصيف، ويتفاءل بهبوب الرياح الآتية من جهتيْ القِبلة والغرب، أو من جهة عدن/يمن (الجهة الجنوبية)، وهنا يقول علي ولد زايد:

فلاح مع الثور في بني العوام- محافظة حجة

والله ما ابيع ثوري

 مادامت الريح تقلب

غربي وقِبْلي عوالي

 (تقلب: أي تتحول شمالية غربية جنوبية. وهنا يقسم بأنه لن يبيع ثورَهُ لأن الغيث قادم، مادام والرياح ليست على اتجاهٍ واحد)

    أما لو كانت الرياح من جهة الشرق فقط، فإنها علامة شؤمٍ وخيبةٍ لدى الزُراع، الذين هم خُبراء الأرض والمواسم المطرية في اليمن.

   ولأن المناطق الوسطى في اليمن هي الأكثر حظوةً بكميات المطر السنوية من بين سائر الجهات على مستوى الجزيرة العربية (إب، ذمار، الضالع، ريْمة، آنِس، عُتمة، عَنْس، وُصابين)، فإن الاتجاهات المتعددة لرياح نيسان مؤشرٌ على عامٍ زراعيٍّ عظيمٍ. أو قد تكون نذيرَ شؤمٍ إذا كانت في اتجاهٍ واحدٍ؛ سنةَ جَدْبٍ مخيبةً للآمال. وفي ذلك يحفظ الفلاح الأصيل أقوال علي ولد زايد التي تقول:

النُود إنّهْ تِقلّاب                 فابشرْ بغُزر المَطارة

وانّهْ على سِيبْ واحدْ            فالشّدّ يا اهل العَقارة

 الثور خُذ لك حُميِّرْ             والسَّحْبْ خُذ لك غِرارة

 (والمعنى هو: إن جاءت النود، أي الريح، متحولةً ومتغيرةً بين الغرب والشمال والجنوب، فهي علامةُ خيرٍ وأمطارٍ غزيرةٍ قادمة. وإن جاءت الريح على سِيبْ واحد، أي اتجاهٍ واحدٍ، فهي الشدة ويجب أن تجلب الثور للبيع إلى السوق، وتشتري بدلاً عنه هذا العام حماراً. وبدلاً من السَّحْب، التي هي سِنّة الحديد التي تشق الأرض "أتلاماً"، فلا لزوم لها هذا العام؛ إذ يجب استبدالها بغِرارة، وهي الكيس من القماش، الذي يشبه الرداء على الأكتاف، حيث يجلب الفقير الطعام والحبوب بداخله ويحملها على كتفه: الغِرارة).

   الصيف في "بني العَوّام"، من محافظة حجّة، له طلعته وهيبته. وهذه السنة تقدّمَ معهم المطر، وهي من علامات الخير والتفاؤل. وهناك يتناقل الزُّراع هذا المَثَلْ البديع:

يا سعد قوماً يُمطَروا في الظافر

عَنَيْت الاولْ ما عنيتْ الآخِر

(والظافر: مَعْلَمٌ من معالم الزراعة في اليمن السعيد، وهو ظافر أول، وظافر ثانِ، ويكون أهل البلاد محظوظين إذا أُغيثوا في ظافر أول وليس في ظافر ثان. و"الظافر" أيضاً: قرية في بني العوام).

سكان الجهات الغربية من اليمن تسمي "ظافر أول"، الذي يبدأ من 14 أبريل/ نيسان وينتهي في 30 من نفس الشهر، بشهر: الخامِسْ. وفي الجبال يسمونه: شهر الخَمسْ. وفيه، كما في سائر البلاد اليمنية، يتم العناية بالأرض حرثاً وتنقيةً من الحصى وتفتيتاً لكُتل التراب

   بعد مطر الظافر، يتم حراثة الأرض بشكلٍ مُتْقن، حتى تصبح لينةً وجاهزةً لتلقي البذار "الذريء"، وفي هذا يقول المثل الزراعي في تهامة اليمن:

أوصيك يا جمّال لا تسافر

مَطْلَعْ سُهيلٍ أو في مغيب الظافر

الليل باردْ والنهار هواجر

   وهناك أناس قد لا يتمكنون من حراثة الأرض في هذا التوقيت (الظافر)، فيقال لمن لم يتمكن من حراثة أرضه، بلومٍ واستغرابٍ وتساؤل:

أين كنت يا هافر في الظافر.

   سكان الجهات الغربية من اليمن يسمون "ظافر أول"، الذي يبدأ من 14 أبريل/ نيسان وينتهي في 30 من نفس الشهر، بأنه شهر: الخامِسْ. وفي الجبال يسمونه: شهر الخَمسْ. وفيه، كما في سائر البلاد اليمنية، يتم العناية بالأرض حرثاً وتنقيةً من الحصى وتفتيتاً لكُتل التراب. حيث ويعتني الفلاحون فيه بأنفسهم؛ إذ تجدهم يذبحون ويحتجمون (الحِجامة)، ويجتنبون وطْأ نسائهم (قديماً)، وكانوا أيضاً، ولا يزال بعضهم، يشربون السمنَ البلدي في هذا الموسم لتقوية الأبدان، استعداداً لبذر الأرض ورعاية الزراعة إلى أن يأتي المحصول.

   وفي نيسان، تنظر تهامة إلى جبال السُّرَاة، وهي تردد هذه الأمثال والحِكم:

وميض امبرق غالب امليالي

على رؤوس امجبالِ

 



tg-me.com/aliwldzaid/5248
Create:
Last Update:

الأهازيج والأمثال الزراعية في اليمن

كيف تحشد رعودُ نيسان الزُّرّاعَ وتدفعهم إلى الحقول

علي الضبيبي

   الثوْر، بالنسبة للفلاح اليمني، هو "الأب"، كما هي البقرة " أُم". وفي عموم أرياف اليمن، يخاطب المزارعون الثور هكذا: "أَباه"، كما ينادى أيضاً على "البقرة" بلطف شديد: "أُمّاه".

   وفي مثل هذا الموسم من كل عام، يتأهّب الريفُ اليمني ويحتشد بكل ما لديه من قوةٍ وسرعةٍ، منتظرين إشارة البدء للانطلاق نحو الأرض، يذرؤونها بفرحٍ ونشاطٍ وهم يرتلون هذه الأمثال الزراعية العظيمة كتهاليل:

 يا ثور يا ابيض يا جليل الساعد

 مُد القدم واسمع حنين الراعد

   وكان أربابُ الأرض، في اليمن السعيد، قد جهزوا تربة الحقول القاسية وهيؤوها لهذه اللحظة بالحرث، قبل مجيء المطر بأسابيع، طوال شهر مارس/آذار، وهم ينشدون:

حرثت مالي يابسٍ في يابس

 وقطرة الله ما عليها حابس

   ثم ينهمر المطرُ عليهم كضيفٍ عزيزٍ في موعده المحدد: 14 أبريل/نيسان، كما عوّدَهم، وهو أول أيام السنة الزراعية المعتمدة لدى اليمنيين منذ آلاف السنين. وفي هذا اليوم، يفرح الفلاح بمطر الصيف، ويتفاءل بهبوب الرياح الآتية من جهتيْ القِبلة والغرب، أو من جهة عدن/يمن (الجهة الجنوبية)، وهنا يقول علي ولد زايد:

فلاح مع الثور في بني العوام- محافظة حجة

والله ما ابيع ثوري

 مادامت الريح تقلب

غربي وقِبْلي عوالي

 (تقلب: أي تتحول شمالية غربية جنوبية. وهنا يقسم بأنه لن يبيع ثورَهُ لأن الغيث قادم، مادام والرياح ليست على اتجاهٍ واحد)

    أما لو كانت الرياح من جهة الشرق فقط، فإنها علامة شؤمٍ وخيبةٍ لدى الزُراع، الذين هم خُبراء الأرض والمواسم المطرية في اليمن.

   ولأن المناطق الوسطى في اليمن هي الأكثر حظوةً بكميات المطر السنوية من بين سائر الجهات على مستوى الجزيرة العربية (إب، ذمار، الضالع، ريْمة، آنِس، عُتمة، عَنْس، وُصابين)، فإن الاتجاهات المتعددة لرياح نيسان مؤشرٌ على عامٍ زراعيٍّ عظيمٍ. أو قد تكون نذيرَ شؤمٍ إذا كانت في اتجاهٍ واحدٍ؛ سنةَ جَدْبٍ مخيبةً للآمال. وفي ذلك يحفظ الفلاح الأصيل أقوال علي ولد زايد التي تقول:

النُود إنّهْ تِقلّاب                 فابشرْ بغُزر المَطارة

وانّهْ على سِيبْ واحدْ            فالشّدّ يا اهل العَقارة

 الثور خُذ لك حُميِّرْ             والسَّحْبْ خُذ لك غِرارة

 (والمعنى هو: إن جاءت النود، أي الريح، متحولةً ومتغيرةً بين الغرب والشمال والجنوب، فهي علامةُ خيرٍ وأمطارٍ غزيرةٍ قادمة. وإن جاءت الريح على سِيبْ واحد، أي اتجاهٍ واحدٍ، فهي الشدة ويجب أن تجلب الثور للبيع إلى السوق، وتشتري بدلاً عنه هذا العام حماراً. وبدلاً من السَّحْب، التي هي سِنّة الحديد التي تشق الأرض "أتلاماً"، فلا لزوم لها هذا العام؛ إذ يجب استبدالها بغِرارة، وهي الكيس من القماش، الذي يشبه الرداء على الأكتاف، حيث يجلب الفقير الطعام والحبوب بداخله ويحملها على كتفه: الغِرارة).

   الصيف في "بني العَوّام"، من محافظة حجّة، له طلعته وهيبته. وهذه السنة تقدّمَ معهم المطر، وهي من علامات الخير والتفاؤل. وهناك يتناقل الزُّراع هذا المَثَلْ البديع:

يا سعد قوماً يُمطَروا في الظافر

عَنَيْت الاولْ ما عنيتْ الآخِر

(والظافر: مَعْلَمٌ من معالم الزراعة في اليمن السعيد، وهو ظافر أول، وظافر ثانِ، ويكون أهل البلاد محظوظين إذا أُغيثوا في ظافر أول وليس في ظافر ثان. و"الظافر" أيضاً: قرية في بني العوام).

سكان الجهات الغربية من اليمن تسمي "ظافر أول"، الذي يبدأ من 14 أبريل/ نيسان وينتهي في 30 من نفس الشهر، بشهر: الخامِسْ. وفي الجبال يسمونه: شهر الخَمسْ. وفيه، كما في سائر البلاد اليمنية، يتم العناية بالأرض حرثاً وتنقيةً من الحصى وتفتيتاً لكُتل التراب

   بعد مطر الظافر، يتم حراثة الأرض بشكلٍ مُتْقن، حتى تصبح لينةً وجاهزةً لتلقي البذار "الذريء"، وفي هذا يقول المثل الزراعي في تهامة اليمن:

أوصيك يا جمّال لا تسافر

مَطْلَعْ سُهيلٍ أو في مغيب الظافر

الليل باردْ والنهار هواجر

   وهناك أناس قد لا يتمكنون من حراثة الأرض في هذا التوقيت (الظافر)، فيقال لمن لم يتمكن من حراثة أرضه، بلومٍ واستغرابٍ وتساؤل:

أين كنت يا هافر في الظافر.

   سكان الجهات الغربية من اليمن يسمون "ظافر أول"، الذي يبدأ من 14 أبريل/ نيسان وينتهي في 30 من نفس الشهر، بأنه شهر: الخامِسْ. وفي الجبال يسمونه: شهر الخَمسْ. وفيه، كما في سائر البلاد اليمنية، يتم العناية بالأرض حرثاً وتنقيةً من الحصى وتفتيتاً لكُتل التراب. حيث ويعتني الفلاحون فيه بأنفسهم؛ إذ تجدهم يذبحون ويحتجمون (الحِجامة)، ويجتنبون وطْأ نسائهم (قديماً)، وكانوا أيضاً، ولا يزال بعضهم، يشربون السمنَ البلدي في هذا الموسم لتقوية الأبدان، استعداداً لبذر الأرض ورعاية الزراعة إلى أن يأتي المحصول.

   وفي نيسان، تنظر تهامة إلى جبال السُّرَاة، وهي تردد هذه الأمثال والحِكم:

وميض امبرق غالب امليالي

على رؤوس امجبالِ

 

BY الحكيم اليماني ( علي ولد زايد )


Warning: Undefined variable $i in /var/www/tg-me/post.php on line 283

Share with your friend now:
tg-me.com/aliwldzaid/5248

View MORE
Open in Telegram


الحكيم اليماني علي ولد زايد Telegram | DID YOU KNOW?

Date: |

Telegram Be The Next Best SPAC

I have no inside knowledge of a potential stock listing of the popular anti-Whatsapp messaging app, Telegram. But I know this much, judging by most people I talk to, especially crypto investors, if Telegram ever went public, people would gobble it up. I know I would. I’m waiting for it. So is Sergei Sergienko, who claims he owns $800,000 of Telegram’s pre-initial coin offering (ICO) tokens. “If Telegram does a SPAC IPO, there would be demand for this issue. It would probably outstrip the interest we saw during the ICO. Why? Because as of right now Telegram looks like a liberal application that can accept anyone - right after WhatsApp and others have turn on the censorship,” he says.

Traders also expressed uncertainty about the situation with China Evergrande, as the indebted property company has not provided clarification about a key interest payment.In economic news, the Commerce Department reported an unexpected increase in U.S. new home sales in August.Crude oil prices climbed Friday and front-month WTI oil futures contracts saw gains for a fifth straight week amid tighter supplies. West Texas Intermediate Crude oil futures for November rose $0.68 or 0.9 percent at 73.98 a barrel. WTI Crude futures gained 2.8 percent for the week.

الحكيم اليماني علي ولد زايد from sa


Telegram الحكيم اليماني ( علي ولد زايد )
FROM USA